حكايات بلا عنوان

يجلس في منتصف قاعة شديدة الكبر، على مقعد معدني أحمر غير مريح على الإطلاق. أما القاعة نفسها فتشبه صالة مغطاة من صالات كرة السلة، غير أنها أكبر اتساعاً بمراحل، وليس بها أثر لمقاعد المتفرجين، بل مجرد حوائط عالية بلا لون، وسقف بلا إضاءة، وإن كانت القاعة نفسها مضاءة بشدة من مصدر غير معلوم…
لا يوجد أحد غيره على مرمى البصر، وإن كان يشعر بكل تأكيد أن القاعة شديدة الازدحام، يكاد يشعر بالضوضاء الرهيبة المنبعثة من ملايين الحوارات والضحكات والتأوهات التي لا معنى لها، وتصيبه هذه الأصوات بألم في الرأس وضيق في التنفس، حتى ولو لم يرتقي أي منها إلى أذنيه.
يسأل نفسه عن سبب وجوده، أو ربما عن الوحدة برغم وجود كل هذه الأصوات، لكنه يتراجع سريعاً عن السؤال الذي يعلم أنه بلا إجابة حاضرة. يفضل إذن أن يتساءل عن معنى أن يكون الإنسان مؤمناً بلا دين، عاشقاً بلا معشوق، وفناناً بدون عمل فني واحد… ألا يشبه ذلك جداً أن يكون الإنسان وحيداً في قاعة مليئة بالملايين الذين يتحاورون بلا صوت؟
ينهض من على المقعد المعدني الأحمر، ويحاول أن يرمي كرة في السلة الغير موجودة، لطالما أحب أن يقوم بذلك في أيام طفولته… يدرك الآن جيداً أنه لم يعد طفلاً، لكنه لا يتذكر كيف تمكن من أن ينمو دون أن يخرج من هذه القاعة أبداً… كيف ينظر في نفسه فيرى ما يشبه انفجاراً كونياً من التساؤلات – وهو بشكل ما يعلم أن التساؤلات ليست في الواقع إلا الوجه الآخر للمعرفة، والمعرفة هي الجسد المرئي للإيمان والإيمان هو الروح التي خلقها الحب – إذن من أين تأتي التساؤلات وهو لم ير في حياته جسداً يعشقه، ولا إلهاً يعبده، ولا كوناً ينفجر؟؟ إنما هي مجرد قاعة هائلة تشبه الصالات المغلقة، لها حوائط بلا لون وسقف بلا إضاءة…
تصيب الكرة السلة مرة أو مرتين، وتدور آلاف المرات على الحلقة المعدنية دون أن تقرر ما إذا كانت ستهبط أم ترتفع. يعود إلى المقعد ويحاول أن يقرر ما إذا كان الوقت قد حان لينهي هذا العبث برصاصة من سلاح وهمي. لا لم يحن بعد… فمازال ساكني القاعة الغرباء المتحاورون في صمت لا يوافقونه على الرحيل. يقول هذا لنفسه ويضحك، فلا يوجد أي سبب ليكون لهم القرار فيما يمكن أن يفعله برؤياه الخاصة، لكنه في الواقع ينتظر في بساطة أن يحبه أحدهم بما يكفي ليطلقه، إنه ينتظر أن ينهي عمله الفني المتوقف منذ ولادته وأن يتمكن أخيراً من وضع بعض الألوان على الحوائط الباهتة، ينتظر أن يصلي صلاة واحدة دون أن يسمع الأصوات في رأسه، ينتظر أن يتمكن من إدخال الكرة في السلة دون أن تلمس الحلقة أو تتردد ما بين الهبوط والصعود…
إنه ينتظر الآن على المقعد المعدني… هو ينتظر، والحوائط تنتظر، وربما أيضاً الحياة تنتظر…

Author: hany.shoukry

10 thoughts on “حكايات بلا عنوان

  1. رفقا يا صديقي بنفسك
    قصتك اشعرتني بنفسي احيانا
    وللاسف شعرت بصدق كلماتك
    وللاسف تعني انني شعرت بانك مكتئب اكتئابا علي وشك ان يتحول الي شئ حقيقي مؤلم…توقف قليلا
    الذين يحبونك يحبون وجودك معهم
    لا رحيلك عنهم اسألهم…واستمع اليهم

    تحياتي

  2. لكنه في الواقع ينتظر في بساطة أن يحبه أحدهم بما يكفي ليطلقه،

    فعلا… فقط الحب يحررنا! ليت الناس تفهم و تدرك

    أخرج من الاكتئاب يا هانى
    دايما فيه رجاء

    حاول تدور عن مصدر الضوء “الغير معلوم” يمكن ده يساعدك؟ و لا إيه

  3. في خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة – The Culture of Defeat – بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.
    هذه دراسة لمشاكل مصرالرئيسية قد أعددتها وتتناول كل مشاكلنا العامة والمستقاة من الواقع وطبقا للمعلومات المتاحة فى الداخل والخارج وسأنشرها تباعا وهى كالتالى:

    1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
    2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
    3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
    4 – العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
    5 – ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
    6 – رئيس مصر القادم .. شروطه ومواصفاته حتى ترجع مصر الى عهدها السابق كدولة لها وزن اقليمى عربيا وافريقيا.
    ارجو من كل من يقراء هذا ان يزور ( مقالات ثقافة الهزيمة) فى هذا الرابط:

    http://www.ouregypt.us/culture/main.html

  4. مدونتك أثارت لدي شجونا وجودية تطاردني كأشباح حد اللهاث, وأفر منها بكل ما أوتيت من قوة راجية من الله أن يعينني عليها حتى لا أصاب بنوبة “شلل حياتي” جديدة أعزف فيها عن كل الأشياء وتعابثني كل المعاني…ألا سامحك الله يا أخي في التدوين وفي الإنسانية وفي حب هذه البلاد الحلوة الحزينة!

Comments are closed.