الكثيرون قرأوا كتاب “شيفرة دافنشي“، وأثار ذلك فيهم العديد من التساؤلات، وأظن أن إبراهيم عيسى في برنامج من أول السطر (دريم) هو الذي كان يقول إن هذا الكتاب، وفيلم آلام المسيح لمل جيبسون، قد أثارا حالة عالمية من الرغبة في البحث في تاريخ نشأة المسيحية، حتى في الأديان المختلفة، فقد زادت مؤخراً مثلاً مبيعات كتب بعناوين مثل “المسيحية من منظور إسلامي” وعناوين شبيهة.
وأرى أن أي نوع من البحث عموماً، ومن البحث في تاريخ ومقارنة الأديان خصوصاً، هو من أمتع الأشياء في الدنيا، وأقربها إلى قلبي، فهي تمنح الباحث شعوراً بمدى غنى التجربة البشرية وتنوعها، ومدى التواصل والتأثير المتبادل بين كل مرحلة في رحلة البحث عن الله.
وطبعاً هذا الكلام غير معمم، فالكثير من هذه الاجتهادات يحمل في داخله رغبة عميقة في إثبات أن الآخر على خطأ، وأن ما أعتقده في الأساس هو ما يجب تأكيده، وحول هذا الموضوع كنت أتحاور اليوم مع صديق عزيز، وثارت في الحوار العديد من الأفكار…وهذا في حد ذاته ممتع كل الإمتاع
سألني: ألا تعتقد – بعد كل ما قرأت – أن إدعاء الأديان امتلاك الحقيقة المطلقة وأن الآخرين كلهم على خطأ، هو في حد ذاته نوع من الإسفاف، وسبب طبيعي لكل المشكلات التي نعيشها من تعصب وعدم قبول بين الأديان؟؟
احترت بصراحة، فعندي على هذا السؤال إجابتين:
الأولى، أقولها كإنسان، هي أن إيماني العميق هو أن طرق الله لا تعد ولا تحصى، وأنه قادر أن يصل لكل إنسان بإسلوبه الخاص، وأن حدودنا البشرية في الفهم والتطبيق تجعل الفوارق بين الأديان مثل الفرق في المسافة بالنسبة لطفل يحبو، في طريق يمتد لألف ميل، وآخر يمتد لألف ألف ميل…ما الفارق؟؟ لا شيء. وعلى هذا يا صديقي، فإني مستعد – كإنسان – أن أدين معك بأعلى صوت كل من يتجرأ ويحاول بناء بيته على أنقاض بيت الآخر.
***
أما الإجابة الثانية، فأضع نفسي فيها مكان هؤلاء الذين يفعلون ذلك، وأدرك أنه على مدى التاريخ، لم تصمد فكرة واحدة إلا باللجوء لنوع من أنواع العصبية القبلية، وأعني بها رسم دائرة حول الفكرة، وتمييز ما يقع داخل الدائرة بمنتهى الوضوح عما يقع خارجها. كل الأفكار بلا استثناء: الأوطان، السلالات، المدارس الفنية، المدارس الفلسفية، الأحزاب السياسية، المهن والنقابات، وحتى الفرق الرياضية، وليست الأديان باستثناء من ذلك بأي حال. وقد أدرك رعاة الأفكار المختلفة هذه الحقيقة منذ فجر الحضارة، وأخذ كل منهم على عاتقه مهمة تأسيس كيان شبه-قبلي يحيط بفكرته ويمنحها الحماية. وبغض النظر عن مدى “عصبية” الشخص تجاه فكرته، فقد صار إضفاء هذه الحماية القبلية مسئولية حتمية على عاتق راعي هذه الفكرة
***
تخيلوا مثلاُ رئيس نادي الزمالك يقول بمنتهى الصراحة أن الأهلي نادي عظيم وجميل وأن أي شخص يفتخر بتشجيعه وأن مشجعي الزمالك يخطئون جداً بسب النادي الأهلي…تخيلوا لو قال كل رؤساء الزمالك نفس الكلام – الذي هو موضوعي وحقيقي – على مدى عشرة أعوام، هل ستقوم للزمالك قائمة أو يكون له مشجعين؟؟
تخيلوا الكاهن الأرثوذكسي يتكلم في وعظاته عن ميزات الكنيسة الكاثوليكية، أو بابا روما يقضي وقته في الحديث عن روعة الإسلام…
تخيلوا رئيس إسرائيل يقول أنه لا يهتم من يفوز بالحرب، الإسرائيليون أو العرب، بإعتبار أنهم جميعاً بشر – وهذا حقيقي بالفعل -.
تخيلوا أي شخص، يتكلم بصدق عن مدى محدودية فكرته – وهذا حقيقي بالطبع -، وعن كل الأفكار المنافسة التي تشترك معها في نفس قيمتها بالحياة…
ألن تكون هذه – للأسف – نهاية هذه الفكرة وكل جماعتها؟؟
ألا يكون من الظلم أن نطالب إذن القائمين على هذه الأفكار أن يتوقفوا عن بيع قبليتهم لأتباعهم، مادامت هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على ما إئتمنتهم عليه جماعتهم؟؟
وفي نفس الوقت…
ألا ينبغي علينا أن نكون في منتهى السعادة أننا لسنا في موقع هؤلاء المساكين، الذين لا يملكون حق الموضوعية والحياد، وأن نشكر الله أن لكل فكرة راعٍٍ أو مئة راع، ولها عشرات الآلاف والملايين من “التابعين” الأحرار…ألا تطرح هذه النسبة حلاً مباشراً لمشكلة صراع الأديان…
هل عرفتم حل الفزورة؟؟ الحل لا يبدأ من فوق، الحل بيننا هنا والآن…
فإني مستعد – كإنسان – أن أدين معك بأعلى صوت كل من يتجرأ ويحاول بناء بيته على أنقاض بيت الآخر.
I love this part
لم تصمد فكرة واحدة إلا باللجوء لنوع من أنواع العصبية القبلية، وأعني بها رسم دائرة حول الفكرة، وتمييز ما يقع داخل الدائرة بمنتهى الوضوح عما يقع خارجها
I agree with you and what is so sad is when العصبية القبليةto start taking us to hatred, aggressive judgment and inhumane actions
إيه يا ابني الحلاوة والإنتاجيّة دي؟ نبخرك ولا إيه؟
ملاحظات (من بتوعي) عالماشي:
١) عندما تكتب بالأزرق يصير من الصعب تمييز وصلاتك (لأنّه زرقاء) من الكلام اللي مش موصول.
٢) لا أعرف لماذا يترجمون الكتاب على أنّه شيفرة وليس شفرة، هل لأهل الترجمة قولٌ في هذا؟
٣) أهلاويّتك واضحة ومكشوفة رغم ادّعائك الموضوعيّة. لماذا طالبت رؤساء الزمالك بالموضوعيّة ولم تطالِب رؤساء الأهلي بالأمر نفسه. إخص عليك (!!!)
٤) الهمزات :)… اندهشت في الأوّل لعدم إيجادي أخطاء فيها!! ثم وجدت الكثير في آخر فقرة!!
٥) أخيراً، أنا معجب جدّاً بالصور التي تضعها وما عليها من تعليقات. وبمناسبة تعليقك على الصورة الأولى، أهديك هذه
لا شك في ان الفكرة جيدة
ولكن المشكلة ان اي مجموعة من الناس اذا ما ارادت الحركة فانها تحتاج الى من يسير امامها ويقودها
قد يكون لبعض الافراد افكار اقوى ورؤية افضل من القائد ولكن ان لم يكونوا قادة فسيتبعون القائد
وقد يرفض البعض ان يسير خلف احد ويستمتع بالاحساس باستقلاليته ولكنه ان لم يكن قائد فسيضطر ان يتبع هذا القائد – عفوا ان يؤيد القائد حيث أن استقلاليته ستمنعه من اعلان تبعية – وربما في موضوع اخر يؤيد قائد اخر
وتنغلق الدائرة على قائد ما من فئة ما يقود مجموعة وهنا ينطبق عليه تعريفك لقادة الجماعات
فهل يكون الحل هو تتبع قائد من دائرة اخرى؟ مثلما تبع البيض الأمريكيين مارتن لوثر كينج في ثورته ضد التفرقة العنصرية
وتبع اقباط مصر سعد زغلول في دعوته للوحدة الوطنية
وأيد الاسرائيليين دعوة السادات للسلام
أم ترى يكون الحل في قائد مستنير يستطيع ان يقول لاتباعه نحن نؤمن بجماعتنا ولكننا يجب ان نعترف باخطائنا وان نعترف بحسنات الاخرين دون ان يكون ذلك معناه اننا على خطأ على طول الطريق
مثلما فعل عرفات عندما اعلن قبوله للتفاوض الذي رفضه عشرات السنين ومثل اعتذار الالمان عن اخطائهم تجاه شعوب الارض في حربها النازية
لا أملك إجابة ولكن لاشك أن الموضوع يحتاج إلى الكثير من التفكير
أنت تقول أن الكراهية تأتي من محاولة بناء الهوية على فكرة إيمانية مصحوبة بممارسة للعنف، سواء عنف رمزي أو حقيقي. كلام يبدو منطقي فقط للحديث عن بعض الأديان مثل الإسلام والمسيحية، ولكنه لا يفسر سبب الكراهية بين بعض أتباع هاتين الديانتين وبعض اليهود على الرغم من أن الديانة اليهودية لا تتدعي أنها لكل الناس ولا يسعى أتباعها بتبشير الآخرين. اليهودية لا تحتاج لبناء هوية على فكرة إيمانية ولا تحتاج للعنف وبالتالي لا تحتاج للكراهية، ومع ذلك فهي تولّد كراهية وتتعرّض للكراهية.
على العموم أنا أعرف أنه أحيانًا يكون حل الفزورة هو أقل الحلول منطقية، أحيانًا يكون غير مبرَّر بالمرة، لكنه الحل الذي يختاره أصحاب الشأن. ـ
اعتقد يا مجاهد انه يقصد
” proving me wrong doesnt make u right”
والعكس صحيح
ميلاد، اليهودية لا تدعي أنها تبشر الناس كلام صحيح. أما عدم احتباجها للكراهية أو للعنف فيحتاج مراجعة، و هو من قبيل التعميم غير المقبول في هذه الحالة.
بناء هوية على فكرة إيمانية؟
ماذا عن القابالاه التي أسسها اسحق لوريا في القرن الثالث عشر، التي كانت رد فعل للعنف ضد اليهود، حركة انسحابية (كراهية مضادة) تطورت بعد ذلك على أيدي متطرفين أمثال شابتاي زيفي (أو المسيح زيفي) إلى حركات عنف منظم (عنف دفاعي) تجاه المعارضين حتى من اليهود أنفسهم
ماذا عن الحركة الصهيونية الحديثة؟ و ماذا عن النيو-أرثوذكسية التي ترفضها و تكفرها؟
نعم، حلّ الفزورة قد يكون هو أقل الحلول منطقية لكنه -كما قال غاندي- لا بد أن يبدأ من هنا و الآن
أظن يا درش ان ما تقوله يعني (في مجال الحديث عن الديانات بالأخص) إن القائد هو الذي يخرج الديانة من رأسه، مما يعني ضياع استقلالية الأفراد، فهم كالغنم على رأي نيتشه (الواقع لا يخلو من الغنم طبعاً) لكن الرؤية الأصح (وإلا صار كل مفكر ملحداً وعلى طريقة مختلفة) هو إن كل فرد يرى إن هذا الدين (أو الرؤية الإلحادية) هي التي تشير إلى الحقيقة دون غيرها، وفي حالة ديانات الوحي الثلاث يؤمن الفرد إن المطلق تحدث بذاته وأنشأ هذا الدين (وهذا لا يجب أن ينفي خيانة الأفراد والقادة للدين)، أما التعصب فيأتي من التصور بأن هذه الديانة تمتلك الحقيقة وتحتويها (مما يتنافى مع طبيعة الحقيقة المطلقة) فينقل التفكير لمستوى مثالي يقسم الناس لحلوين أو وحشين بشكل مطلق (محور الشر والفسطاطين)
ولذلك أرى إن مبدأ حرية الديانة لا أستطيع الدفاع عنه بإدعاء تساوي جميع الأديان، فكل فرد يرى انه يؤمن بالحقيقة المطلقة وإن لم يحتويها (هذا إن لم تنفي معنى الحياة أصلاً، ولكن ذلك يحتاج لشيء من المطلق هو الآخر!!) وأتذكر ما قيل عند راء وميم في بداية مقال طويل في تعليق على جملة قالها قس معمداني هنا
http://r-and-m.blogspot.com/2005/05/blog-post.html#comments
لكن مبدأ حرية الاعتقاد يأتي من الإعتراف بالمحدودية أمام الحقيقة (الله في دياناتنا) والإيمان بقدرة وحرية الإنسان، وأيضاً الثقة في العناية الإلهية في عقل الإنسان (تحتاج أن تؤمن بإله شخصي في الأخيرة)
الرؤية الإيجابية للمختلف دينياً أظنها تحتاج لنظرة تحترم واقع الزمن والصيرورة في حديثنا، فالكاثوليكي مثلاً (مثلي!!!) عليه أن يرى المذاهب والديانات الأخرى تتجه إلى الحقيقة المطلقة (بطرق مختلفة) التي يؤمن هو بها حتي يدركوها فتتنقى الشوائب وتكتمل النواقص في كل معتقد حتي يصل للحق، ولكنه يعرف إن كنيسته لم تمتلك الحق، فيتحول التبشير من ” تعالوا إلى المسيح عندنا ” إلى ” تعالوا نتجه إلى المسيح معاً ”
أظن ان هذه الرؤية هي الأوقع وهي الخلاص من هاوية التعصب وجحيم نسبوية الحقيقة
ودمتم