خسرت مصر مباراة التأهل لكأس العالم، وبات المصريون ليلة كئيبة شبه معتادة. أسبوع أو أسبوعين التف فيهما المصريون حول حلم واحد، والآن تبخر. لكن، وقبل أن ينفض المولد، وتعود ريما لعادتها القديمة، أريد أن أدعوكم لنتأهل في ثمان بطولات أخرى، لا تقل أهمية، ولا تقل صعوبة عن كأس العالم، بطولات طال غيابنا عنها أكثر كثيراً من العشرين عاماً التي نتندر بها:
أ – في منتصف عام 2011، تقام بطولة اختيار رئيس الجمهورية. منذ ما يقرب من مئتي عام، والشعب المصري لم يختر رئيسه. نكاد نكون الدولة الوحيدة في العالم التي يحكمها نفس الشخص منذ 30 عاماً، وتجري كل التجهيزات على قدم وساق لكي يتولى ابنه حكم مصر من بعده. لدينا 18 شهراً لكي نقوم بإعداد بديل، ونحاول التأهل في بطولة نملك كل أوراقها.
ب – في مصر ما لا يقل عن 15 مليون يعيشون تحت خط الفقر، وما لا يزيد عن 15 ألف يعيشون فوق خط الغنى الفاحش. بحسبة بسيطة، نحن مقبلون على ثورة جياع تُرجِعنا 50 عاماً إلى الوراء. كل لحظة تمر ونحن لا نتأهل في بطولة العدالة الاجتماعية، نُخاطر بالهبوط إلى قاع الفوضى. كل مجهود نقوم به مع هذه العائلات المنكوبة يُحسن من فرص النجاه.
ج – تحتل مصر مرتبة متقدمة في الدول التي يموت فيها الناس بمجرد أن يمرضوا !! انفلوانزا الطيور والخنازير مجرد مِثال. تخفيض عدد الوفيات الناتجة عن سوء مستوى الرعاية الصحية هي بطولة يجب أن نتأهل فيها، أو نموت. لدينا آلاف الأطباء المُثقفين المُتَعلمين الذين بإمكانهم تغيير الوضع إن عملوا سوياً وسريعاً
د – هناك بطولة عالم سنوية لا يعرفها أحد في مصر، لاختيار أفضل الجامعات على مستوى العالم. هذه البطولة لم نتأهل فيها ولا مرة واحدة (ولا لزوم للمقارنة مع عدد الجامعات الاسرائيلية مثلاً لكي لا نُصاب بالإحباط). إصلاح التعليم العالي في مصر يُفتَرَض أن يكون ممكناً، باعتبار أننا نتكلم عن كيان يضم أفضل العقول المُتَعَلِمة في مصر، أساتذة ومعيدين وطلاب. فهل نتأهل في هذه البطولة، أم نكتفي بأن يكون كل هؤلاء من مُشَجعي المنتخب الوطني!
ه – العالم كله يلعب بطولة في كل يوم، على خلاف بطولة الكرة التي تأتي مرة كل أربعة أعوام. البطولة اسمها “الإنتاجية”. الحسبة بسيطة، كل دولة تُحاول أن يفوق انتاج كل فرد فيها ما يستهلكه، بما يعني أن تستطيع الدولة تصدير الفائض، وبالتالي زيادة ثروة كل فرد، وبالتالي الاستثمار في البنية التحتية للمستقبل وفي مستوى معيشة أفضل. كل الفارق بين دولة مثل الصين ومصر هو في إنتاجية الفرد الواحد. إنها بطولة العالم في العمل، الالتزام، والإدارة. أين يأتي موقعنا في هذه البطولة؟
و – منذ ما يقرب من 80 عاماً، كان لدينا منتخب عبقري من المُبدعين في كل المجالات، كان خط الهجوم يتكون من اسماء مثل العقاد وطه حسين والحكيم، كان منتخب الشباب فيه أسماء مثل يوسف إدريس ومحفوظ ويوسف شاهين. في كل ميدان من ميادين الإبداع كان لدينا أبطال عالم، في الإعلام، والأدب، والسينما، والإذاعة، والموسيقى والغناء. كُنا دائماً مرشحين لنيل الكأس في مُختلف المحافل. كانت القاهرة هي عاصمة الإبداع في العالم العربي، و يقصدها المُبدعون من كل صوب. الآن، حتى مهرجانتنا المدفوعة لا يحضرها أحد. في بريطانيا، وتعداد سكانها أقل من مصر بعشرين مليون أو يزيد، يتم نشر 200 ألف كتاب جديد كل عام. كم كتاب تظنون نقوم بنشره في مصر، ومن يقرأ؟ هذه بطولة عالم تستحق أن نلعبها بكل جوارحنا، لأننا بلا ثقافة ولا إبداع ليس لنا هوية.
ز – عندما نكون مهزومين في الكرة، نقول يا رب. عندما نكون مهزومين في كل شيء، في حريتنا وثقافتنا وثقتنا بأنفسنا، نلجأ إلى طرف خارجي نستجد به من الاضطهاد الذي نتعرض له، ويصير التدين الزائد علامة انهزام، والتفسير المتطرف مهرباً من مواجهة الحقيقة. لدينا بطولة عالم لأن العالم يتقدم ونحن نتراجع، نسير خلفاً مدعومين بخرافات دينية لا محل لها من الإعراب، ويقودنا شيوخ وقسس لا صلاح لهم إلا في إلهاب العقول. نريد أن نتأهل إلى العالم الحقيقي، الذي يفكر فيه الإنسان بعقله، وتُحترم فيه حرية كل المعتقدات، ويكون الالتزام بالقانون واحترام إنسانية الآخر أهم من الالتزام بمفردات العبادة.
ح – خسرت مصر العديد من البطولات في الثلاثين عاماً الماضية. بطولة عقود الغاز والأسمنت التي منحناها بأبخس الأسعار، بطولة تأمين العلاقات مع دول حوض النيل، بطولة انتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية، بطولة الحفاظ على الأراضي المتميزة في كافة أنحاء مصر من النهب على يد أصحاب المعالي. والآن، ماذا تبقى لنخوض به معارك المستقبل؟ هل لدينا خطة اقتصادية للخمسين عاماً القادمة؟ هل نعرف ما الذي سنفعله عندما يصل المصريون إلى 100 مليون فماً جائعاً؟ نحتاج أن نتأهل في بطولة حاسمة، اسمها مستقبل مصر الاقتصادي، من أجل أولادنا.
ط – من العوامل الهامة في التأهل إلى كأس العالم أن تفوز خارج أرضك. وقد تعودنا مؤخراً أن نخسر خارج الأرض. ينظر لنا أفارقة الشرق بتحفز، يُهمِلنا أفارقة الغرب والجنوب، يكرهنا أفارقة الشمال إلى حد القتل. يحتقرنا عرب الخليج وقد صرنا من العِمالة الغير مرغوب فيها، يستحل عرب فلسطين كل ما لنا كأنه لهم، لا يعرف الأوروبيون عنا إلا الأقصر والغردقة، ويضحك الأمريكان علينا وهم يتلاعبون بمقدراتنا. بطولة العالم الحقيقية هي أن تعيد مصر النظر في علاقاتها مع كل هذه الأطراف، بطولة العالم هي أن يحترمنا الرؤساء وتحبنا الشعوب، بطولة العالم هي أن يرانا الآخرون كما نحب نحن أن نرى أنفسنا.
والآن، إما أن نختار أن يعمل كل منا في مجاله لنتأهل في أي واحدة من هذه البطولات، وإما أن نجلس على الرصيف، ننتظر في خشوع، مباريات تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم 2014. أيهما تختار؟
Recent Comments