أعود أخيراً بعد أسابيع من الغيبة المبررة، بعضها مقصود، وبعضها اضطراري لأسباب السفر والمرض…
والحق أني كنت أنوي أن أبدأ بحديث شخصي، يزيح عن نفسي بقايا الأيام التي قضيتها متأملاً في حال حياتي خلال هذه الأسابيع، لكنني أعود وهناك ألم جديد في قلب الوطن…
يتساءل البسطاء في بلدي: هل قَصَدت الكنيسة المصرية إهانة الإسلام في تلك المسرحية المزعومة؟ وكيف نُعاقب إذاً كل المسيحيين في مصر على هذه الفِعلة الشنعاء؟؟
وأرى أنه في قلب تساؤلات البسطاء دُفِنَت عشرات الحقائق الكارثية عن مجتمعنا الذي حولناه بأيدينا لقنبلة موقوتة. وإليكم بعض هذه الحقائق:
– التكوين العادي للرجل العادي في مصر يُكرس التفرقة وعدم فهم الآخر إلا على مستوى سطحي أحمق. هذه حقيقة. ماذا تتوقعون إذاً من مجموعة من الشباب يقومون بعمل فني ساذج عن الإرهاب أو غيره… أي قدر من نضج التناول وعمق التحليل نتوقع من شباب تعمدنا أن نُسَطِح رؤاهم وأن نكبت تساؤلاتهم وأن نحرمهم من أي فرصة لتكون “إبداعاتهم” على مستوى المسئولية؟؟ هل تظنون أن هذه المسرحية – إن وُجدت فعلاً – هي قمة التجليات؟؟ أُقسم أننا لو حاولنا استقصاء رأي كل الشباب المصري – بمسلميه ومسيحييه – عن رأيهم في الدين الآخر، لوجدنا ما لا يقل عن 80% من الإجابات كافياً لقيام ألف مظاهرة على شاكلة مظاهرات محرم بك. ولو كان الإخوة الأفاضل الذين قاموا بنسخ الCD – مع احتمال تحريفه – وتوزيعه، لو كانوا على قدر أعلى من الكفاءة والفاعلية لغرقت أجهزتنا بمثيلات هذه المسرحية ما لا يمكننا تتبعه. هذا ما زرعنا، وهذا ما سنحصد. وكل من ظن أنه بهذا التكوين المتخلف يصنع حسناً، عليه أن يعيد النظر.
– نحن مجتمع لا يفهم معنى “الجدل”، فلا نختلف أبداً دون أن نتشابك ونتراشق ونكره. كلنا نغضب حين نختلف، وما يفرقنا عن بعضنا البعض هو قدرة كل شخص على احتمال الغضب. فمنا من تقف حدوده عند “الأهلي والزمالك” ومنا من يتحمل الغضب حتى نخوض في “الدين”، وهو عندنا قُدس الأقداس الذي لا يُسمح فيه بجدل. واسمحوا لي أن أكون أكثر وضوحاً: إذا كنت لا أقبل على أي جماعة من المسيحيين أن يختاروا انتقاد الممارسات أو الأفكار الإسلامية موضوعاً لمسرحيتهم، فأنا في الوقت ذاته أحب أن أحفظ لهم حقهم في أن يقيموا مسرحية لانتقاد الممارسات التي حولهم في الكنيسة، وأن أحفظ لإخوانهم في الجامع المقابل حق انتقاد ما لا يعجبهم في ممارسات دينهم، وأن أحفظ لكلاهما سوياً حق انتقاد كل ما يحدث في هذا الوطن. ولكن ما يحدث بالفعل هو أن كل هذه الحقوق معدومة وممنوعة، ما عدا هذا الحق الأخرق في انتقاد الآخر. ومرة أخرى، هذه هي السبل التي فتحناها، وهذه هي التي يسير فيها الجميع.
– نحن مجتمع أغلبه من القطعان، ولا ينقصه الذئاب. إن كل أحداث محرم بك تُشير بشكل أو آخر إلى مجهود مُتعمد من قِبل جماعة ما من خارج الإسكندرية، لأسباب قد تبدو انتخابية. وبغض النظر عن التفاصيل، فما يُروعني حقاً في هذا المشهد، هو السهولة التي تم لهم بها مقصدهم. لم يكن المتظاهرون – بحسب شهادة الشهود – من الغوغاء مدفوعي الأجر كما يحدث في بعض الأحيان، بل كان منهم كثير من المخلصين لما ظنوه قضية. كانوا يتدافعون نحو الأمن صارخين “الله أكبر” وكأنهم يقدمون أنفسهم في “الحرب المقدسة” ضد الصليبيين. ومُعظم هؤلاء – إن لم يكن كلهم – اعتمدوا في “غضبهم المقدس” على حكاية لم يتأكدوا من صدقها، ومسرحية لم يروها رؤى العين. لم يتساءل أيٌ منهم عن المصدر والتوقيت، واكتفوا بالتصرف بحسب ما فرضه عليهم حماس الموقف اللحظي. أنا لا ألوم هؤلاء، وكلي رجاء ألا تسقط تبعات هذه الأحداث على رؤوسهم، فهم في النهاية مجرد مسلمين بسطاء يدافعون عن كرامة دينهم. لكن ما الذي نتوقعه من مجتمع بنيناه من “التابعين”، فتفرقت قطعانه وراء الرعاة، والذئاب المرتدين ثياب الرعاة. نحن ربيناهم، ونحن الآن نفقدهم.
إن الاعتراف المبدئي بمشكلتنا الثقافية هو أبسط ما يتطلبه السير على طريق الحل. وهذا الاعتراف لن يحدث، لأن مصر كلها ليس فيها زعيم سياسي أو ديني يستطيع أن يعترف بأن أغلبية شبابنا سطحيون، ومُغيبون ثقافياً، وضعاف الشخصية، ويحترفون رفض الآخر. وأن مشكلتنا الثقافية هي ببساطة نتيجة تكوين خاطئ على مدى عقود من الزمان.
هل هناك مخرج من هذه الغُمة؟؟
إن تغيير واقع الوعي المصري هو عمل لا قِبَل لجماعة واحدة بالنهوض به، إنه أقرب إلى مبادرة “محو الأمية”، وإن كان أصعب وأكثر تعقيداً، حيث أنه يُخاطب منطقة أكثر إظلاماً في العقل المصري، ويتقاطع مع أيديولوجيات ومصالح يرعاها المثقفون والزعماء، وهم الرعاة المطلوب منهم قيادة الطريق نحو الحل. غير أن المدخل – في اعتقادي الشخصي – ينبغي أن يعتمد بشكل ما على الحركة “العنقودية”، حيث تقوم كل بؤرة من المثقفين بمحاولة تغيير واقعها الأقرب، وتطلب من هؤلاء نشر الرسالة للمستوى الأبعد وهكذا. لكن من أين يبدأ الطريق؟؟ وكيف نتخطى حالة “الإنكار” Denial التي نعيش فيها، فنواجه أنفسنا، ونبدأ في التحرك، من أجل مستقبلنا لا حاضرنا الأقرب؟؟؟
” لو حاولنا استقصاء رأي كل الشباب المصري – بمسلميه ومسيحييه – عن رأيهم في الدين الآخر، لوجدنا ما لا يقل عن 80% من الإجابات كافياً لقيام ألف مظاهرة على شاكلة مظاهرات محرم بك”
” نحن مجتمع لا يفهم معنى “الجدل”، فلا نختلف أبداً دون أن نتشابك ونتراشق ونكره. كلنا نغضب حين نختلف، وما يفرقنا عن بعضنا البعض هو قدرة كل شخص على احتمال الغضب “
” نحن مجتمع أغلبه من القطعان، ولا ينقصه الذئاب “
” لكن ما الذي نتوقعه من مجتمع بنيناه من “التابعين”، فتفرقت قطعانه وراء الرعاة، والذئاب المرتدين ثياب الرعاة. نحن ربيناهم، ونحن الآن نفقدهم.
“
” لأن مصر كلها ليس فيها زعيم سياسي أو ديني يستطيع أن يعترف بأن أغلبية شبابنا سطحيون، ومُغيبون ثقافياً، وضعاف الشخصية، ويحترفون رفض الآخر. وأن مشكلتنا الثقافية هي ببساطة نتيجة تكوين خاطئ على مدى عقود من الزمان.
“
” غير أن المدخل – في اعتقادي الشخصي – ينبغي أن يعتمد بشكل ما على الحركة “العنقودية”، حيث تقوم كل بؤرة من المثقفين بمحاولة تغيير واقعها الأقرب، وتطلب من هؤلاء نشر الرسالة للمستوى الأبعد وهكذا “
أقول ايه بس في الحلاوة دي ؟؟:)))
لا تعليق
غير
الله ينور
“غير أن المدخل – في اعتقادي الشخصي – ينبغي أن يعتمد بشكل ما على الحركة “العنقودية”، حيث تقوم كل بؤرة من المثقفين بمحاولة تغيير واقعها الأقرب، وتطلب من هؤلاء نشر الرسالة للمستوى الأبعد وهكذا. لكن من أين يبدأ الطريق؟؟ “
الطريق يبدأ من منزل كل واحد منا. لدي صديقة لديها الوعي الكافي بحقوق الإنسان وبدأت بنفسها في توعية وشرح للعاملين لديها عن حقوقهم منها أولاً وممن حولهم (وكانت بداية ذلك الوعي المطالبة بساعات عمل أقل، وأجازات أكثر). أحيانًا المشكلة تكمن فيمن لديه الوعي ويخشى نقله للآخرين فيبدأ تمردهم عليه هو أولاً. القمع يبدأ من البيت، التفرقة والتعصب للرأي (والإصرار على عدم الإعتراف بالخطأ وتزييف الحقائق، نصنعه نحن بأنفسنا وبمن حولنا. رفض الجدل والمناقشة مسألة تبدأ في البيت وتستمر في الدراسة (كم منا عانى من مدرس أوو مدرسة أو استاذ في الجامعة رفض رأينا المختلف، بل وعاقبنا عليه أيضًا) العمى الثقافي وإدخال الشباب في متاهة التعليم التلقيني كان هدف سياسي في الأساس (الحفظ مش الفهم البحث والتحليل)، فأصبح الأغلبية حافظين مش فاهمين.
آه نسيت أقولك حمدالله على السلامة، وسلامتك 🙂
كلام جميل..
الله ينوّر برضه
The lack, or complete absence, of respect for the right to religious freedom undoubtedly hits everyone. Well we live in a country that believes in equality BUT the definition of equality JUST needs to be distinguished from ‘similarity’ to say (e.g. that men are equal is not to say that they are identical. Equality rather implies similarity but not ‘sameness.’) Ignorance….. Yes I believe in what you’re saying it seems like finding a solution is very difficult to change mentalities and ideologies that have been raised up in the dark all filled with Dust. Well
Being one the youth I announce us to be shallow wishing thy confession shall be stepping in the path towards a solution we really do need help.
Last thing wondering What if a Muslim was born Christian? And what if a Christian was born Muslim or even Hindu??…. How many of us have read the 3 books well the hundreds..
It seems like people have forget the meaning of their lives …..
أتفق معك تمام الأنفاق في أن أساس المشكلة يكمن في التسطح الفكري الرهيب الذي وصل إلية مجتمعنا و لكني أود أن أوضح بعض النقط المتعلقة بالخطاب الديني القبطي- بكوني قبطياً- أعتقد أن لها صلة كبيرة أيضاً بالمشكلة
أولاً مبدأ رفض الأخر فلقد عمدت الكنيسة في الفترة الأخيرة إلي إرساء مبدأ أن كل البشر هالكون لا محالة في ماعدا المسيحيون الأرثوذكس فقط و أن من حولنا هم أعداء كل الغرد من أي عمل لهم من قريب أو بعيد هو إلحاق الأذى به- كقبطي – فيجب عليك كقبطي أن تكون دائم التحفز و تحفظ آيات كثيرة من القراّن كي “تكبس” بها كل من يحاول أن يحاورك وهذا يقودنا إلي النقطة التالية
ثانياً القيام بأفعال تدل علي الجبن و الشعور بالاضطهاد, و الواقعة التي نحن بصددها هي أوضح مثال علي ذلك فقد تخيل هؤلاء الشباب أن تلك المسرحية لن تخرج خارج سور الكنيسة ,و غيرها من الأمثلة مثل أبونا ذكريا و بعض أقباط المهجر – و أقول بعض – و العظات المبنية فقط علي نقض القراّن و غيرها من الأفعال المشينة و لا أعرف من أتي أقباط القرن الحادي و العشرين بتلك الأفعال فقض كانت المجاهرة بالفكر و الحوار البناء هي أهم شيم المسيحيين الأوائل و السيد المسيح نفسه.
أخيراً أود أن أبدي إعجابي بهذا ال”Blog” و أتمني أن تتناول في الفترة القادمة هذا الموضوع بشكل أكبر- أعني الحوار الديني في مصر – لأنه ليس هناك الكثير ممن يعالجون تلاك المشكلة علي الوجه الصحيح
إمضاء
عقل يحاول التفكير